الوفاء من الرحمه
كان محمد(صل الله عليه وسلم) حليمًا رقيق القلب عظيم الإنسانية[1]
*******
*******
*******
في أواخر أيام دولة الأندلس وقّع حاكم مدينة غرناطة معاهدة بينه وبين ملك قشتالة تنص على استسلام بلاده وتسليمها للنصارى، وتضمنت معاهدة التسليم سبعة وستين شرطًا بما يحفظ على المسلمين دينهم وعرضهم وأموالهم، ولكن بمجرد استيلاء النصارى على الأندلس تبخرت كل الوعود، واستحل النصارى الأموال والديار، وتم إكراه المسلمين على التنصر بما عرف في التاريخ بمحاكم التفتيش حتى تم محو الإسلام من أسبانيا بأكملها -الأندلس سابقًا-[2].
*******
هذا حالهم ولكن الإسلام شئ آخر!!
*******
*******
*******
بَلَغَ مِنْ رحمة رسول الله *******صلى الله عليه وسلم بغير المسلمين أنّه حَرَّمَ الغدر بهم ولو كان هذا في زمان الحرب، ولم يُؤْثَر عن الرسول *******صلى الله عليه وسلم أنه غَدَرَ بعهدٍ قطُّ، بل كان مثالَ الوفاء الدائم، وإن غَدَرَ به أعداؤه، وسنتناول هذا المعنى من خلال المطالب التالية:
*******
المطلب الأول: شهادة أعدائه بوفائه:
*******
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ tأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بن حرب أَخْبَرَهُ أنه عندما كان في بلاد الروم في كفره أثناء صلح الحديبية؛ أحضره هرقل بين يديه، وسأله عن الرسول *******صلى الله عليه وسلم بعدما وَصَّلَه (أي: هرقل) رسالة رسول الله *******صلى الله عليه وسلم ، وكان مما سأله عنه أن قال: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ فقال أبو سفيان: لا..
*******
ثم عَلَقَّ هرقل في ختام حِواره مع أبي سفيان قائلاً: وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لا يَغْدِرُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لا تَغْدِرُ..[3]
*******
المطلب الثاني: أمره أصحابه بعدم الغدر:
*******
ومن رحمة النبي *******صلى الله عليه وسلم أنه كان حريصًا على أن يغرس في نفوس الصحابة خُلُقَ الوفاء حتى في وقت الحرب؛ فقد كان يُوَدِّعُ السرايا مُوصِيًا إيّاهم: "..ولا تغدروا.."[4]، ولم يكن ذلك في معاملات المسلمين مع إخوانهم المسلمين، بل كان مع عدوٍّ يكيد لهم، ويجمع لهم، وهم ذاهبون لحربه، فما أسمى هذه الأخلاق النبوية!!*******
*******
وقد وصلت أهمية الأمر عند رسول الله *******صلى الله عليه وسلم إلى أن يتبرَّأ من الغادرين ولو كانوا مسلمين، ولو كان المغدورُ به كافرًا محاربًا؛ فقد قال *******صلى الله عليه وسلم : "مَنْ أَمَّنَ رَجُلاً عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ، فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقَاتِلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا"[5].
*******
وقد تَرَسَّخَتْ قِيمَةُ الوفاء في نفوس الصحابة حتى إنّ عمر بن الخطاب tبَلَغَهُ في ولايته أنَّ بعض المجاهدين قال لمحارب من الفرس: لا تَخَفْ، ثم قتله. فكتب tإلى قائد الجيش: "إنّه بلغني أنَّ رجالاً منكم يَطْلُبُونَ العِلْجَ (الكافر)، حتى إذا اشتد في الجبل وامتنع، يقول له: "لا تَخَفْ"، فإذا أَدْرَكَهُ قَتَلَهُ، وإني والذي نفسي بيده، لا يَبْلُغَنِّي أنّ أَحَدًا فَعَلَ ذَلك إلا قَطَعْتُ عُنُقَه[6]".
المطلب الثالث: ذِمَّة المسلمين واحدة:
*******
ومن رحمته *******صلى الله عليه وسلم بغير المسلمين في أثناء الحرب أنّه كان يَقْبَلُ بإجارة المسلم لكافر، بمعنى أنه *******صلى الله عليه وسلم كان يُنْفِذُ وَعْدَ المسلم - أيًّا كان – للكافر المحارب بالأمان، ويحضُّ المسلمين جميعًا على إنفاذ هذا الوعد والأمان. *******قال رسول الله *******صلى الله عليه وسلم : "ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ جَارَتْ عَلَيْهِمْ جَائِرَةٌ، فَلا تَخْفِرُوهَا[7]، فَإِنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً، يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَة"[8].
*******
وقد طبَّق الرسول ******* صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ تطبيقًا عمليًّا بين المسلمين؛ فأوفى بجوار أُمِّ هانيء بنت أبي طالب لأحد المشركين يوم فتح مكة؛ فقد روى البخاري، وأبو داود، والترمذي عن أم هانيء بنت أبي طالب <أنها قالت: قُلتُ: يا رسول الله، زَعَمَ ابنُ أُمِّي (تقصد أخاها عَلِيَّ بن أبي طالب t)، أنَّه قَاتِلٌ رجلاً قد أجرتُه: فلان ابن هبيرة؛ فقال رسول الله *******صلى الله عليه وسلم : "قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ"[9].
*******
*******
*******
وبَعْدُ، فهذا غَيْضٌ مِنْ فَيْضِ أخلاق الرسول *******صلى الله عليه وسلم في حروبه مع المشركين التي لا تُقارَن بأخلاق قادة الكفر في كل مكان وزمان. إنّ أخلاقه *******صلى الله عليه وسلم لا تُوصف إلا بأنها أخلاق أنبياء، فذلك أصدق وصفٍ لها، وكفى.
*******